سورة الحجر - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)}
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ} سأخلق {بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} عدلت صورته وأتممت خلقه {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} فصار بشراً حياً {فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} سجود تحية وتكرمة لا سجود صلاة وعبادة {فَسَجَدَ الملائكة} المأمورون بالسجود {كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} على التأكيد {إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين}.
روى عكرمة عن ابن عبّاس قال: لما خلق الله الملائكة قال: إني خالق بشراً من طين فإذا أنا خلقته فأسجدوا له، قالوا: لانفعل. فأرسل عليهم ناراً فأحرقهم. ثمّ خلق ملائكة فقال: إني خالق بشراً من طين فإذا أنا خلقته فأسجدوا له، فأبوا، فأرسل الله عليهم ناراً فأحرقهم. ثمّ خلق ملائكة فقال: إني خالق بشراً من طين فإذا أنا خلقته فأسجدوا له، قالوا: سمعنا وأطعنا إلاّ إبليس كان من الكافرين.
{قَالَ ياإبليس مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ الساجدين} محل أن النصب بفقد الخافض.
{قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * قَالَ فاخرج مِنْهَا} أي من الجنة ومن السماوات {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} ملعون طويلاً {وَإِنَّ عَلَيْكَ اللعنة إلى يَوْمِ الدين * قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين * إلى يَوْمِ الوقت المعلوم} وهو النفخة الأولى حين يموت الخلق كلهم {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي} أي بأغوائك أياي وهو الإضلال والإبعاد {لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرض} معاصيك ولأُحببنَّها اليهم {وَلأُغْوِيَنَّهُمْ} لأضلنهم {أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين}.
قرأ أهل الكوفة والمدينة والشام: بفتح اللام. وإختاره أبو عبيد، يعني إلاّ من أخلصته بتوفيقك فهديته واصطفيته.
وقرأ أهل مكة والبصرة: بكسر اللام، وإختاره أبو حاتم، يعني من أخلص لك بالتوحيد والطاعة. وأراد بالمخلصين في القرائتين جميعاً: المؤمنين.
{قَالَ} الله لإبليس {هَذَا صِرَاطٌ} طريق {عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ}.
قال الحسن: هذا صراط إليَّ مستقيم.
وقال مجاهد: الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه لايعرج على شيء.
وقال الأخفش: يعني على الدلالة صراط مستقيم.
وقال الكسائي: هذا على الوعيد فإنه تهديد كقولك للرجل خاصمتهُ وتهدده: طريقك عليَّ، كما قال الله: {إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد} [الفجر: 14] فكان معنى الكلام: هذا طريق مرجعه إلي فأجازي كلاًّ بأعمالهم.
وقال ابن سيرين وقتادة وقيس بن عبادة وحميد ويعقوب: هذا صراط عليٌّ برفع الياء على نعت الصراط أي رفيع، كقوله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} [مريم: 57].
{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} قوة.
قال أهل المعاني: يعني على قلوبهم.
وسُئل سفيان بن عيينة عن هذه الآية، فقال: معناه ليس لك عليهم سلطان أن تلقيهم في ذنب يضيق عنه عبدي، وهؤلاء يثبت الله الذين رأى فيهم إحسانهم.
{إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} أطباق {لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ} يعني من أتباع إبليس {جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} حظ معلوم.
وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: تدرون كيف أبواب النار؟ قلنا: نعم كنحو هذه الباب.
فقال: لا ولكنها هكذا ووضع إحدى يديه على الأخرى وإن الله تعالى وضع الجنان على الأرض، ووضع النيران بعضها فوق بعض، فأسفلها جهنم وفوقها لظى وفوقهما الحطمة وفوقها سقر وفوقها الجحيم وفوقها السعير وفوقها الهاوية.
وأبو سنان عن الضحاك في قول الله: {لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} قال: للنار سبعة أبواب هي سبعة أدراك بعضها على بعض.
فأولها: أهل التوحيد يعذّبون على قدر أعمالهم وأعمارهم في الدنيا ثمّ يخرجون.
والثاني: فيه اليهود.
والثالثة: فيه النصارى.
والرابع: فيه الصابئون.
والخامسة: فيه المجوس.
والسادس: فيه مشركوا العرب.
والسابع: فيه المنافقون.
فذلك قوله: {إِنَّ المنافقين فِي الدرك الأسفل مِنَ النار} [النساء: 145] الآية.
أبو رياح عن أنس بن مالك عن بلال قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في مسجد المدينة وحده، فمرّت به أعرابية فاشتهت أن تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، فدخلت وصلت ولم يعلم بها رسول الله، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى بلغ هذه الآية: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} فخرّت الأعرابية مغشية عليها فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبتها فانصرف وقال: «يا بلال عليَّ بماء» فجاء فصب على وجهها حتّى أفاقت وجلست، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا هذه ما حالك؟» فقالت: رأيتك تصلي وحدك فاشتهيت أن أُصلي خلفك ركعتين، فهذا شيء من كتاب الله أو تقول من تلقاء نفسك؟
قال بلال: فما أحسبه إلاّ قال: «يا أعرابية بل هو في كتاب الله المنزل».
فقالت: كل عضو من أعضائي يعذب على باب منها.
فقال: «يا أعرابية لكل باب منهم جزء مقسوم يعذب على كل باب على قدر أعمالهم».
فقالت: والله إني لامرأة مسكينة مالي مالٌ ومالي إلاّ سبعة أعبد أشهدك يارسول الله أن كل عبد منهم على كل باب من أبواب جهنم حرُّ لوجه الله. فأتاه جبرئيل فقال: يارسول الله بشّر الأعرابية أن الله قد حرم عليها أبواب جهنم كلها، وفتح لها أبواب الجنة كلها.
{إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادخلوها} قرأه العامة بوصل الألف وضم الخاء على الأمر، مجازه: يقال لهم ادخوها.
وقرأ الحسن: أدخلوها بضم الهمزة وكسر الخاء على الفعل المجهول، وحينئذ لا يحتاج إلى الضمير.
{بِسَلامٍ} بسلامة {آمِنِينَ} من الموت والعذاب والآفات {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً} نصب على الحال، وإن شئت قلت: جعلناهم إخوانا {على سُرُرٍ} جمع سرير مثل جديد جدد {مُّتَقَابِلِينَ} يقابل بعضهم بعضاً لا ينظر أحد منهم في قفا صاحبه {لاَ يَمَسُّهُمْ} لا يصيبهم {فِيهَا نَصَبٌ} تعب {وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ * نَبِّئْ} أخبر {عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم}.
قال ابن عبّاس: يعني لمن تاب منهم.
{وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العذاب الأليم} لمن لم يتب منهم.
روى ابن المبارك عن مصعب بن ثابت عن عاصم بن عبيد الله عن ابن أبي رباح عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة ونحن نضحك، فقال: «لا أراكم تضحكون»، ثمّ أدبر حتّى إذا كان عند الحجر رجع ألينا القهقرى فقال: «إني لمّا خرجت جاء جبرئيل فقال: يا محمّد لِمَ تقنّط عبادي {نبّيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم}».
وقال قتادة: بلغنا أنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورّع عن محارم الله، ولو يعلم قدر عذابه لبخع نفسه».


{وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60) فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86)}
{وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} يعني الملائكة الذين أرسلهم الله ليبشروا إبراهيم بالولد ويهلكوا قوم لوط {إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ} جمع الخبر لأن الضيف اسم يصلح للواحد والإثنين والجمع والمؤنث والمذكر {فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ} إبراهيم {إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} خائفون {قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ} لا تخف {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} يعني إسحاق، فعجب إبراهيم من كبره وكبر إمراته {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي على أَن مَّسَّنِيَ الكبر} أي على الكبر {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} فأي شيء تبشرون.
واختلف القراء في هذا القول، فقرأ أهل المدينة والشام بكسر النون والتشديد على معنى تبشرونني، فأدغمت نون الجمع في نون الإضافة.
وقرأ بعضهم: بالتخفيف على الخفض.
وقرأ الباقون: في النون من غير إضافة.
{قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بالحق فَلاَ تَكُن مِّنَ القانطين}.
قرأه العامّة: بالألف.
وقرأ يحيى بن وثاب: القانطين.
{قَالَ وَمَن يَقْنَطُ}.
قرأ الأعمش وأبو عمرو والكسائي بكسر النون، وقرأ الباقون: بفتحه وقال الزجاج: قنط يقنط، وقنط يقنط إذا يئس من رحمة الله.
{مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضآلون * قَالَ} لهم إبراهيم {فَمَا خَطْبُكُمْ} شأنكم وأمركم {أَيُّهَا المرسلون} {قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ} مشركين {إِلاَّ آلَ لُوطٍ} أتباعه وأهل دينه {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ}.
قرأ أهل الحجاز وعاصم وأبو عمرو: لمنجّوهم بالتشديد، وإختاره أبو عبيد وأبو حاتم، وخففه الآخرون.
{إِلاَّ امرأته} سوى إمرأة لوط {قَدَّرْنَآ} قضينا {إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين} الباقين في العذاب، وخفف إبن كثير قدرنا.
قال أبو عبيد: استثنى آل لوط من القوم المجرمين، ثمّ إستثنى إمراته من آل لوط فرجعت إمرأته في التأويل إلى القوم المجرمين، لأنه استثناء مردود على استثناء، وهذا كما تقول في الكلام: لي عليك عشرة دراهم إلاّ أربعة إلاّ درهماً، فلك عليه سبعة دراهم؛ لأنك لما قلّت: إلاّ أربعة، كان لك عليه ستة، فلما قلت: إلاّ درهماً كان هذا استثناء من الأربعة فعاد إلى الستة فصار سابعاً.
{فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ المرسلون} لوط لهم {إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} يعني لا أعرفكم {قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ} يعني يشكّون إنه ينزل بهم وهو العذاب {وَأَتَيْنَاكَ بالحق} وجئناك باليقين، وقيل: بالعذاب {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} في قولنا {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اليل واتبع أَدْبَارَهُم} أي كن ورائهم وسر خلفهم {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وامضوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ}.
قال ابن عبّاس: يعني الشام. وقال خليل: يعني مصدر.
{وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر} يعني وفرغنا إلى لوط من ذلك الأمر، وأخبرناه {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ}.
يدل عليه قراءة عبد الله: وقلنا له إن دابر هؤلاء، يعني أصلهم، {مَقْطُوعٌ} مستأصل {مُّصْبِحِينَ} في وقت الصبح إذ دخلوا فيه {وَجَآءَ أَهْلُ المدينة} يعني سدوم {يَسْتَبْشِرُونَ} بأضياف لوط طمعاً منهم في ركوب الفاحشة {قَالَ} لوط لقومه {إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي} وحق على الرجل بإكرام ضيفه {فَلاَ تَفْضَحُونِ} فيهم {واتقوا الله وَلاَ تُخْزُونِ} فلا تهينون ولا تخجلون، يجوز أن يكون من الخزي، ويحتمل أن يكون الخزاية {قَالُواْ أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ العالمين} أولم ننهك أن تضيّف أحداً من العالمين.
{قَالَ هَؤُلآءِ بَنَاتِي} أزوجهّن إياكم إن أسلمتم فأتوا النساء الحلال ودعوا ماحرم الله عليكم من إتيان الرجال {إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} ما أمركم به.
قال قتادة: أراد أن يقي أضيافه ببناته، وقيل: رأى أنهم سادة إليهم يؤول أمرهم فأراد أن يزوجهم بناته ليمنعوا قومهم من التعرّض لأضيافه، وقيل: أراد بنات أمته لأن النبي أب لامته، قال الله {لَعَمْرُكَ} يا محمّد يعني وحياتك.
وفيه لغتان: وعمرُ وعمرَ.
يقول العرب: عَمرك وعمرك.
{إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ} ضلالتهم وحيرتهم {يَعْمَهُونَ} يترددون.
قاله مجاهد، وقال قتادة: يلعبون.
ابن عبّاس: يتمادون.
أبو الجوزاء عن ابن عبّاس قال: فالخلق لله عزّ وجلّ ولا برأ ولا ذرأ نفساً أكرم عليه من محمّد، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد إلاّ حياته قال: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}.
{فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة مُشْرِقِينَ} حيت أشرقت الشمس، أي أضاءت، وهو نصب على الحال {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} قال ابن عبّاس والضحاك: للناظرين.
مجاهد: للمتفرسين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» ثمّ قرأ هذه الآية.
وقال الشاعر:
توسمته لما رأيت مهابة *** عليه وقلت المرء من آل هاشم
وقال آخر:
أو كلما وردت عكاظ قبيلة *** بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم
وقال قتادة: للمعتبرين.
{وَإِنَّهَا} يعني قرى قوم لوط {لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} بطريق واضح.
قاله قتادة، ومجاهد، والفراء، والضحاك: بطريق معلّم ليس بخفي ولا زائغ.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ * وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأيكة لَظَالِمِينَ} وقد كان أصحاب الغيضة لكافرين، وهم قوم شعيب كانوا أصحاب غياض ورياض وشجر متناوش متكاوش ملتف وكانوا يأكلون في الصيف الفاكهة الرطبة وفي الشتاء اليابسة وكان عامة شجرهم الدوم وهو المُقل {فانتقمنا مِنْهُمْ} بالعذاب، وذلك أن الله سلّط عليهم الحرّ سبعة أيام لايمنعهم منه شيء، فبعث الله عليهم سحابة فالتجأوا إلى ظلّها يلتمسون روحها فبعث الله عليهم منها ناراً فأحرقتهم فذلك قوله: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة} [الشعراء: 189] {وَإِنَّهُمَا} يعني مدينة قوم لوط ومدينة أصحاب الأيكة {لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} طريق مستبين، وسمّي الطريق إماماً لأنه يؤتم به.
{وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحجر} أي الوادي، وهو مدينة ثمود وقوم صالح وهي فيما بين المدينة والشام {المرسلين} أراد صالحاً وحده.
عبدالله بن عمر وجابر بن عبد الله قالا: مررنا مع النبي صلى الله عليه وسلم على الحجر، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلاّ أن تكونوا باكين حذراً بأن يصيبكم مثل ما أصابهم» ثمّ قال: «هؤلاء قوم صالح أهلكهم الله إلاّ رجلاً في حرم الله منعه حرم الله من عذاب الله» قيل: من هو يارسول الله؟ قال: «أبو رغال» ثمّ زجر صلى الله عليه وسلم فأسرع حتّى خلفها.
{وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا} يعني الناقة وولدها والسير {فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ * وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً آمِنِينَ} من الخراب ووقوع الجبل عليهم {فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} يعني صيحة العذاب والهلاك {مُصْبِحِينَ} في وقت الصبح وهو نصب على الحال {فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من الشرك والأعمال الخبيثة. {وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بالحق وَإِنَّ الساعة لآتِيَةٌ} وإن القيامة لجائية {فاصفح الصفح الجميل} فأعرض عنهم واعف عفواً حسناً، نسختها آية القتال.
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخلاق العليم}.


{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)}
{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني} اختلفوا فيه.
روى عبد الوهاب عن ابن مسعود عن أبي نصر عن رجل من عبد القيس يقال له جابر أو جويبر عن ابن مسعود أن عمر قال: السبع المثاني هي فاتحة الكتاب.
روى إسماعيل السدي عن عبد خير عن علي رضي الله عنه {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني} قال: فاتحة الكتاب.
عن ابن سيرين أن ابن مسعود قال في السبع المثاني: فاتحة الكتاب، والقرآن العظيم سائر القرآن.
وعن عبد الرحمن عن أحمد الطابقي قال: أتيت أبا هريرة وهو في المسجد فقرأت عليه فاتحة القرآن.
فقال أبو هريرة: هذه السبع المثاني.
شعبة عن قتادة في قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني}، قال: هي فاتحة الكتاب.
وسمعت الكلبي يقول: هي أمّ الكتاب.
ابن جريج عن عطاء في قوله تعالى: {سَبْعاً مِّنَ المثاني} قال: هي أم القرآن والآية السابعة {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1].
وهذا قول الحسن وأبي العالية وسعيد بن جبير وإبراهيم وابن أبي مليكة وعبد الله بن عبيد ابن عمرو ومجاهد والضحاك والربيع بن أنس وصالح الحنفي قاضي مرو.
ويدل عليه ماروى أبو سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله رب العالمين سبع آيات إحداهن بسم الله الرحمن الرحيم وهي السبع المثاني وهي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب».
وروى ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم».
وروى حفص بن عاصم عن أبي سعيد المعلّى عن أُبيّ بن كعب قال: كنت أُصلي فناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه، فلما صلّيت أتيته، فقال: «ما منعك أن تجيبني»؟ قلت: كنت أُصلي، قال: «أولم يقل الله: {ياأيها الذين آمَنُواْ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 24]» الآية.
ثمّ قال: «لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن نخرج من المسجد» فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت: يارسول الله إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن.
قال: «نعم، الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيت». وعن أبي هريرة قال: قرأ أُبي بن كعب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّ القرآن. فقال: «والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها، إنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيت».
عن ابن جريج قال: أخبرني أبي أنّ سعيد بن جبير أخبره فقال له: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني}، قال: هي أم القرآن، قال: هي، وقرأ عليَّ سعيد بن جبير بسم الله الرحمن الرحيم حتّى ختمها، ثمّ قال: بسم الله الرحمن الآية السابعة.
قال سعيد بن جبير: لأبي: وقرأ عليَّ ابن عبّاس كما قرأتها عليك، ثمّ قال: بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة:
قال ابن عبّاس: قد ادخرها الله لكم فما أخرجها لأحد قبلكم.
فقلت: هذه إختيار الصحاح إن السبع المثاني هي فاتحة الكتاب، وأن الله تعالى امتن على رسوله صلى الله عليه وسلم بهذه السورة كما امتن عليه بجميع القرآن، وقيل: نزلت هذه السورة في خيبر.
وفي هذا دليل على إن الصلاة لاتجوز إلاّ بها ويؤيد ما قلنا ماروى الزهري عن محمّد بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاتحة الكتاب عوض من كل القرآن، والقرآن كلّه ليس منه عوض».
واختلف العلماء في حديث آيات هذه السورة مثاني، فقال ابن عبّاس والحسن وقتادة والربيع: لأنها تثنى في كل صلاة وفي كل ركعة.
وقال بعضهم: سمّيت مثاني لأنها مقسومة بين الله وبين العبد قسمين اثنين، بيانه والذي يدل عليه ماروى أبو السائب مولى هشام بن زهرة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج هي خداج غير تمام».
قال أبو السائب لأبي هريرة: إني أحياناً أكون وراء الامام.
قال: فغمز أبو هريرة ذراعي، وقال: يافارسي إقرأها في نفسك إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل».
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرؤا، يقول: العبد: الحمد لله رب العالمين، فيقول الله: حمدني عبدي، ويقول العبد: الرحمن الرحيم، فيقول الله: أثنى عليَّ عبدي، فيقول العبد: مالك يوم الدين، فيقول الله: مجّدني عبدي، يقول العبد: إياك نعبدُ وإياك نستعين، قال: هذه الآية بيني وبين عبدي، يقول العبد: اهدنا الصراط إلى آخره، يقول الله: فهذا لعبدي ولعبدي ما سأل».
ويقال: سمّيت مثاني لأنها منقسمة إلى قسمين: نصفها ثناء ونصفها دعاء، ونصفها حق الربوبية ونصفها حق العبودية، وقيل: لأن ملائكة السماوات يصلّون الصلوات بها، كما أن أهل الأرض يصلّون بها. وقيل: لأن حروفها وكلماتها مثنّاة، ومثل الرحمن الرحيم، إياك وايّاك، الصراط الصراط، عليهم عليهم، غير غير، في قراءة عمر.
وقال الحسين بن الفضل وغيره: لأنها تقرأ مرّتين كل مرّة معها سبعون ألف ملك، مره بمكة من أوائل مانزل من القرآن، ومرة بالمدينة، والسبب هو أن سبع قوافل وافت من بصرى وأذرعات ليهود بني قريضة والنضير في يوم واحد فيها أنواع من البز وأوعية وأفاوية الطيب والجواهر وأمتعة البحر، فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها ولأنفقناها في سبيل الله فأنزل الله تعالى هذه السورة.
وقال: لقد أعطيتكم سبع آيات هي خير لكم من هذه السبع القوافل، ودليل هذه التأويل قوله في عقبها: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} الآية.
وقيل: لأنها متصدرة بالحمد، والحمد كل كلمة تكلم بها آدم حين عطس وهي آخر كلام أهل الجنة من ذريته، قال الله: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} [يونس: 10].
وقيل: لأن الله استثناها وادّخرها لهذه الأُمة فما أعطاها غيرهم، كما روينا في خبر سعيد ابن جبير عن ابن عبّاس.
وقال أبو زيد اللخمي: لانها تثني أهل الدعارة والشرارة عن الفسق والبطالة من قول العرب ثنيت عنائي، قال الله: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} [هود: 5].
وقيل: لأن أولها ثناء على الله عزّ وجلّ.
وقال قوم: إن السبع المثاني هو السبع الطوال، وهي: سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، والتوبة معاً.
وقال بعضهم: يونس، وعليه أكثر المفسرين.
روى سفيان عن منصور عن مجاهد عن إبن عبّاس في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني}، قال: السبع الطوال.
سعيد بن جبير عن ابن عبّاس في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني} قال: هو السبع الطوال.
وهو قول عمر، ورواية أبي بشر وجعفر بن المغيرة ومسلم البطين عن سعيد بن جبير، ورواية ليث وابن أبي نجيح عن مجاهد، ورواية عبيد بن سليمان عن الضحاك. يدل عليه ماروى أبو أسماء الرحبي عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله أعطاني السبع الطوال مكان التوراة، وأعطاني المبين مكان الإنجيل، وأعطاني الطواسين مكان الزبور وفضلني ربي بالمفصّل».
وروى الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم السبع المثاني الطوال، وأعطي موسى ستاً فلما ألقى الألواح رفعت إثنان وبقي أربع.
روى عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أخذ السبع الأول فهو حبر».
قال ابن عبّاس: وإنما سميت السبع الطوال مثاني؛ لأن الفرائض والحدود والأمثال والخبر والعبر تثبت فيه.
طاوس وأبو مالك: القرآن كلّه مثاني، وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس قال: ألم تسمع إلى قول الله تعالى: {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ} [الزمر: 23] وسمّي القرآن مثاني لأن القصص ثبتت فيه.
وعلى هذا القول المراد بالسبع سبعة أسباع القرآن. ويكون فيه إضمار تقديره: وهي للقرآن العظيم.
فاحتج بقول الشاعر:
الى الملك القرم وابن الهمام *** وليث الكتيبة في المزدحم
مجازة: الملك القرم ابن الهمام ليث الكتيبة في المزدحم.
وروى عتاب بن بشر عن حنيف عن زياد بن أبي مريم في قوله: {سَبْعاً مِّنَ المثاني} قال: أعطيتك سبعة أجزاء وهي سبع معان في القرآن: مرّ، وانه، وبشّر، وأنذر، واضرب الأمثال وأعدد النعم، وآتيتك نبأ القرآن.
{لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} يا محمّد {إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً} أصنافاً {مِّنْهُمْ} من الكفار متمنياً إياها. نهى رسوله عن الرغبة في الدنيا.
وقال أنس: مرّت برسول الله صلى الله عليه وسلم إبل أيام الربيع وقد حبست في أبعارها وأبوالها. فغطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عينه بكمّه وقال: «بهذا أمرني ربي» ثمّ تلا هذه الآية.
{واخفض جَنَاحَكَ} ليّن جانبك {لِلْمُؤْمِنِينَ} وارفق بهم.
والجناحان من ابن آدم جانباه، ومنه قوله: {واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ} [طه: 22] أي جنبك وناحيتك.
{وَقُلْ إني أَنَا النذير المبين * كَمَآ أَنْزَلْنَا}، قال الفراء: مجازه: أنذركم عذاباً {عَلَى المقتسمين}. فاختلفوا فيهم.
فروى الأعمش عن أبي ظبيان قال: سمعت ابن عبّاس يقول في قوله: {كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى المقتسمين}، قال: هم اليهود والنصارى.
{الذين جَعَلُواْ القرآن عِضِينَ} جزّأوه فجعلوه أعضاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه.
وقال عكرمة: سمّوا مقتسمين لأنّهم كانوا يستهزؤن فيقول بعضهم: هذه السورة لي. وقال بعضهم: هذه لي، فيقول أحدهم: لي سورة البقرة، ويقول الآخر: لي سورة آل عمران.
وقال مجاهد: هم اليهود والنصارى، قسّموا كتابهم ففرّقوه وبدّدوه.
وقال مقاتل: كانوا ستة عشر رجلاً بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم فاقتسموا عقاب مكة وطرقها وقعدوا على أبوابها وأبقابها وإذا جاء الحجاج، قال فريق منهم: لا تغتروا بخارج منّا يدعي النبوة فإنه مجنون.
وقالت طائفة أخرى: على طريق آخر أنه كاهن.
وقالت طائفة: عَرّاف. وقالت طائفة شاعر، والوليد قاعد على باب المسجد نصبوه حكماً، فإذا سئل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صدق لوليك المقتسمين.
وقال مقاتل بن حيان: هم قوم اقتسموا القرآن، فقال بعضهم: سحر، وقال بعضهم: سمر، وقال بعضهم: كذب. وقال بعضهم: شعر، وقال بعضهم: أساطير الأولين.
وقال بعضهم: هم الذين تقاسموا صالح وأرادوا تبييته.
وقرأ قول الله: {وَكَانَ فِي المدينة تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرض وَلاَ يُصْلِحُونَ * قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بالله} [النمل: 48-49] الآية.
{الذين جَعَلُواْ القرآن عِضِينَ} يعني عضوا كتاب الله ونبيه وأمره ونهيه أي كذبوا.
وقوله: {عِضِينَ}، قال بعضهم: هو جمع عضو وهو مأخوذ من قولهم عضيت يعضيه إذا فرّقته.
وقال رؤبة:
وليس دين الله بالمعضى ***
يعني: بالمفرّق.
وقال آخر:
وعضى بني عوف فأما عدوهم *** فأرضي وأمّا العز منهم فغيرا
يعني بقوله عضّني بني عوف: سبّاهم وقطعهم بلسانه.
وقال آخرون: بل هو جمع عضة، يقال: عضه وعضين. مثل يره ويرين، وكرة وكرين، وقلة وقلين، وعزة وعزين، وأصله عضهه ذهبت هاؤها الأصلية كما نقصوا الهاء من الشفة وأصلها شفهه ومن الشاة وأصلها شاهه يدلك على ذلك التصغير تقول: شفيهة وغويهة، ومعنى العضة: الكذب والبهتان، وفي الحديث: «لايعضه بعضكم بعضاً».
{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} يوم القيامة {عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} في الدنيا.
وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية قال: «عن لا إله إلاّ الله».
قال عبد الله: والذي لا إله غيره ما منكم من أحد إلاّ سيخلو الله تعالى به يوم القيامة، كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر فيقول: يابن آدم ماذا غرك مني، يابن آدم ما عملت فيما علمت، يابن آدم ماذا أجبت المرسلين.
واعترضت الملحدة بأبصار كليلة وأفهام عليلة على هذه الآية على قوله: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} [الرحمن: 39] وحكموا عليهما بالتناقض.
والجواب عنه: ما روي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عبّاس في قوله: {لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وقوله: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} [الرحمن: 39]. قال: لانسألهم هل عملتم كذا وكذا، لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يقول لهم: لِمَ عملتم كذا وكذا؟ واعتمد قطرب هذا القول، وقال: السؤال على ضربين: سؤال استعلام واستخبار، وسؤال توبيخ وتقرير. فقوله: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ} [الرحمن: 39] يعني استعلاماً واستخباراً، لأنه كان عالماً بهم قبل أن يخلقهم. وقوله: {لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} يعني تقريعاً وتقريراً ليريهم القدرة في تعذيبنا إياهم.
وقال عكرمة: سألت مولاي عبد الله بن عبّاس عن الآيتين، فقال: إن يوم القيامة يوم طويل وفيه مواقف، يسألون في بعض المواقف ولا يسألون في بعضها. ونظيره قوله: {هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} [المرسلات: 35] وقال في آية أخرى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 31].
وقال بعضهم: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ} [الرحمن: 39] إذا كان المذنب مكرهاً مضطراً، و{لَنَسْأَلَنَّهُمْ} إذا كانوا مختارين، وقيل: لا يسأل إذا كان الذنب في حال الصبى أو الجنون أو النوم، بيانه قوله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاث» وقولهم: لنسألنهم، إذا كان عملهم خارجاً من هذه الأحوال، وقيل: لا يسأل إذا كان الذنب في حال الكفر.
وقوله: {لَنَسْأَلَنَّهُمْ} يعني المؤمنين، بيانه قوله: {قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الاسلام يجبّ ما قبله».
{فاصدع}.
قال ابن عبّاس: أظهر. الوالبي عنه: فاقض.
عطية عنه: افعل. الضحاك: اعلم، الأخفش: افرق، المؤرّج: افصل، سيبويه: اقض.
{بِمَا تُؤْمَرُ} يعني بأمرنا (ما) المصدر.
وأصل الصدع: الفصل والفرق.
قال ذؤيب يصف الحمار والأتن:
وكأنهن ربابة وكأنه *** يسر يفيض على القداح ويصدع
وقيل: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإضهار الدعوة.
روى موسى عن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة قال: مازال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفياً حتّى نزلت {فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} فخرج هو وأصحابه.
وقال مجاهد: أراد الجهر بالقرآن في الصلاة.
{وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين} لا تبال بهم {إِنَّا كَفَيْنَاكَ المستهزئين}.
يقول الله جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم فاصدع بأمر الله ولا تخف شيئاً سوى الله فإن الله كافيك من عاداك وآذاك كما كفاك المستهزئين وهم من قريش ورؤسائهم خمسة نفر: الوليد بن المغيرة، وعبد الله بن عمرو بن مخزوم وكان رأسهم، والعاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعيد بن سهم، «والأسود بن المطلب بن الحرث بن أسد بن عبد العزى أبو زمعة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا عليه فقال: اللهم أعم بصره وأثكله بولده» والأسود بن عبد يغوث بن وهب ابن عبد مناف بن زهرة، والحرث بن قيس بن الطلاطلة فإنه عيطل.
فأتى جبرئيل محمداً صلى الله عليه وسلم والمستهزئون يطوفون بالبيت، فقام جبرئيل وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه فمرّ به الوليد بن المغيرة، فقال جبرئيل: يا محمّد كيف تجد هذا، قال: بئس عبد الله. قال: «قد كفيت» وأومأ إلى ساقه ويده، فمرّ برجل من خزاعة نبّال يريّش نبلاً له وعليه برد يمان وهو يجر إزاره فتعلقت شظّية من نبل بإزاره فمنعه الكبر أن يطمئن ونبذ عمامته وجعلت تضرب ساقه فخدشته فمرض منه ومات.
وقال الكلبي: تعلّق سهم بثوبه فأصاب أكحله فقطعه فمات.
ومرَّ به العاص بن وائل، فقال جبرئيل: كيف تجد هذا يا محمّد؟ قال: «بئس عبد الله»، فأشار جبرئيل لأخمص رجله وقال: «قد كفيت» وقد خرج على راحلته ومعه اثنان يمنعانه فنزل شعباً من تلك الشعاب فوطيء على شرقة فدخلت منها شوكة في أخمص رجله، فقال: الوقت لدغت. فطلبوا ولم يجدوا شيئاً فأنتفخت رجله حتّى صارت مثل عنق بعير فمات مكانه.
ومرَّ به الأسود بن عبد المطلب، فقال جبرئيل: كيف تجد هذا يا محمّد؟ قال: «عبد سوء» فأشار إلى عينه، وقال: «قد كفيت» فعمى.
قال ابن عبّاس: رماه جبرئيل بورقة خضراء فذهب بصره ووجعت عينه، فجعل يضرب برأسه الجدار حتّى هلك.
وفي رواية الكلبي: أتاه جبرئيل وهو قاعد في ظل شجرة ومعه غلام له فجعل ينطح رأسه بالشجرة ويضرب وجهه بالشوك واستغاث بغلامه، فقال غلامه: لا أرى أحداً يصنع بك شيئاً غير نفسك حتّى مات وهو يقول: قتلني ربّ محمّد.
ومرَّ به الأسود بن عبد يغوث فقال جبرئيل: كيف تجد هذا؟ فقال: «بئس عبد الله، على أنه خالي»، فقال: قد كفيت، وأشار إلى بطنه فشقّ بطنه فمات حينها.
وفي رواية الكلبي: أنه خرج من أهله فأصابه السموم فاسودّ حتّى عاد حبشياً فأتى أهله فلم يعرفوه فأغلقوا دونه الباب هو يقول: قتلني ربّ محمّد.
ومرَّ به الحرث بن قيس، فقال جبرئيل عليه السلام: يا محمّد كيف تجد هذا؟ قال: «عبد سوء» فأومأ إلى رأسه وقال: قد كفيت، فأمتخط قيحاً فقتله.
وقال ابن عبّاس: إنه أكل حوتاً مالحاً فأصابه العطش فلم يزل يشرب عليه من الماء حتّى اتّقد بطنه فمات، فذلك قوله تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ المستهزئين} يعنى بك وبالقرآن.
{الذين يَجْعَلُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} وعيدهم {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}.
قال ابن عبّاس: فصلِّ يا محمّد لربك.
{وَكُنْ مِّنَ الساجدين} المتواضعين.
وقال الضحاك: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} قل سبحان الله وبحمده {وَكُنْ مِّنَ الساجدين} أي المصلين.
ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزنه أمر فزع إلى الصلاة.
{واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين} يعني الموت، ومجازه: الموفق به.
روى يونس بن زيد عن ابن شهاب: أن خارجة بن زيد بن ثابت أخبره عن أم العلاء امرأة من الأنصار قد بايعت النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنهم اقتسموا المهاجرين قرعة قالت: فصار لنا عثمان ابن مظعون فأنزلناه في أبياتنا فوجع وجعه الذي مات فيه، فلما توفي وغسّل وكفّن في ثوبه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: ياعثمان بن مظعون رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك أن الله أكرمه» قالت: فقلت: بأبي أنت يارسول الله فمه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمّا هو فقد جاءه اليقين ووالله إني لأرجو له الخير».
قالوا: فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أوحي إليَّ أن أجمع المال وأكون من التاجرين، ولكن أوحي إليَّ أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتّى يأتيك اليقين».

1 | 2